الأصول الوراثية

نحن كعرب، اشتقنا كلمة “عقل” من “العقال”، أي ما نربط به الشيء الذي يريد أن يفلت منا. ومن هنا جاءت فكرة أننا لا نتنبه للحدث أو الكارثة إلا بعد فوات الأوان. عندها نبدأ باستعمال العقال الذي هو العقل، نلم به شتات ما لحق بنا من خسارة أو ضياع. ولهذا نستطيع القول إن جوهر التفكير عندنا هو العاطفة، أو إن شئت فقل الحب، حب الشيء الذي نفكر فيه، والعقل بعد ذلك يصون ويعمل لمصلحة هذه العاطفة. وهذا في الحقيقة على عكس ما يكون عند الرجل الغربي مثلا، فالتفكير عندهم يرتكز على العقل والحب والعاطفة تسير وفقا لمنهج هذا العقل، ولا تخرج عن إطاره. ولعل هذا هو الفارق الفعلي بين تفكيرنا وتفكيرهم، ومن ثم سياستنا وسياستهم وأيديولوجياتنا، إذا كان لنا أيديولوجية، وأيديولوجياتهم.

هذا كله في جميع ما نفكر فيه أو ما نريد أن نتلافاه، وفي كافة الميادين على السواء. نخص بالذكر هنا ما يتعلق بحياتنا ونشاطنا المعيشي بالذات.

فبلدٌ مثل بلادنا اليمن، لم يرَ النور إلا منذ قامت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962، ولم نعرف كيف يعيش الناس من حولنا وكيف يطورون حياتهم إلا منذ ذلك التاريخ. فدخلت المدنية من أوسع أبوابها، ودخل التحديث إلى كل المجالات والأنشطة، وكما يقال: “إذا دخلت المدنية فسدت الأخلاق”. وربما كذلك فسدت البيئة أيضًا. وإذا كان كل شيء في أي بلد هو ابن بيئته، فالإنسان والحيوان والنبات هو ابن البيئة كذلك، يتطور فيها ويتأقلم حتى يصبح قادرًا على مواجهة تقلبات الطبيعة والمناخ وحتى المزاج. كل هذا أدى، بسبب ما ذكرناه، إلى بدء انقراض كائنات حية عديدة ونباتات مقاومة للجفاف وبعض الأمراض، وانعدام بذورها، والركون إلى المنتجات المستوردة. وعامل آخر هو انتشار السلاح الذي أودى ويودي إلى انقراض العديد من أنواع الطيور والوحوش وغيره. وكل له دوره الذي يساهم في حفظ التوازن، وعلى سبيل المثال: النمر العربي والنمور، والصقر الشاهين الذي يُقدّر ثمنه بآلاف الدولارات. ما أفسح المجال لغربان عدن أن تصول وتجول وتتكاثر، وتهدد المزارع وجميع أشجار الفاكهة. أضف إلى هذا انقراض كثير من أنواع الدجاج الذي استُبدل بدجاج المزارع. أما من النباتات التي تمثل طعام الإنسان والحيوان الاقتصادي المأكل والذي لديه مناعة طبيعية ضد بعض أنواع المرض، فهناك العديد من النباتات والحبوب، كالعلس والبطاط الصولي وغيرها، والتي يناسب كل نوع منها التضاريس التي يجود فيها، ونوعية التربة التي تلائمه خصوصًا مع تنوع تضاريس اليمن الفريدة، وجهود آلاف الأجيال التي عملت على تطوير تهجينه وتحسين سلالته. وهذه أمور بقدر ما تكون مسؤولية الفرد، إلا أنها مسؤولية الدولة والتخطيط والرقابة الصارمة في حفظ النوع، وإنشاء المحميات الواسعة، والعمل على تلافي ما هو لا يزال قائمًا حتى لا نقع في نفس الخطأ الذي لم تسلم منه العديد من الشعوب.

وعليه، فهذا نداء استغاثة نطلقه ويطلقه المختصون دائمًا، ونأمل أن يكون له آذان صاغية، خصوصًا من تلك الجهات التي ترفع الشعارات المضيئة وتسمي نفسها “وزارة كذا” و”وزارة كيت”. والله من وراء القصد.

م6/11/2012

د.عبد الكريم الشويطر

موقع د.عبد الكريم الشويطر

تم تصميم الموقع لغرض الاحتفاظ والتوثيق لكافة أعمال د.عبدالكريم الشويطر

معلومات

صنعاء-إب

1971

راسلنا عبر:

mohammednajibalkainae@gmail.com

تاريخ التطوير

2025

جميع الحقوق محفوظة@