الورقة الأولى
نبذة تاريخية عن محافظة إب

دوخت هذه المدينة السياحية ذات الجو المعتدل زوارها من السياح سواءً العرب منهم أم العجم، هذا ناهيك عن أهلها. يقول عنها الشاعر الدكتور عبد الكريم الشويطر في قصيدته

( إبُّ الجميلة)
أنا لست أزعمُ ، أنني إلاّ فتىً
ولدتهُ أمٌّ، إسمها ،إبُّ الجميلة.

جسدي ترعرع فوقها، وصباي ما عرف الهوى، إلا على تلك الخميلة. مازلت أذكر وجهها
يحنو عليّ ،وقد بنت لي موضعاً ،في قلبها ،وسكنتُ فوق رموش مُقلتها الكحيلة.

مازلتُ أنشقُ عطرها، وأشمُ رائحة الحقول، وأنتشي ببرودها في ظلِّ طولقةٍ ظليلةْ. بَرَكاتها وجمال ذاك الحيُّ ما زالت تنادي الروح، ترجع بالحنين إلى منابعه الأصليةْ.
لملا عب العهد القديم، وللصِّبا ، يهتزُّ قلبي كالغصون ،وينتشي طرباً ، إذا اقتربت نسائمها العليلة

لمواسم العلاّن… ذاكرةٌ تجول، وللحصاد حلاوةٌ… أواه كم بَعُدَت، وكم كانت جميلةْ.
بحدائق الرمان ،والتين المضمخ بالندى والغيم،

والأغصان مفعمةٌ، بأنفاس البُكورْ. يا حُسن ذاك الحسن، والأزهار، قد نظمت قلائدها ودارت، حول أعشاش الطيور. والماء منسكبٌ على خدٍّ الصخور، وقد جرت وتجمّعت منه الجداول، في المشنَّةِ والبُجور. وغضارةُ الصّحوِ البديع، تحفها شمس الأصيل، كأنها ذهبٌّ يذوب، كأنه ألقٌّ يثور. وخيوطُ أعمدة الدُّخان على البيوت، كأنها سُحبٌ، تعربد في الهواء، كأنه ضوءٌ يدور. وشقائق النُعمان والمشمُوم والريحان، في الشرفات ترقص في الهواء من السرور. يا حُسنها يزداد حُسناً، وهي تغسلُ وجهها في كل يومٍ، تستحمُّ بوابل الغيثِ
المشبّع بالأريج ،وبالبخور
ومما اشتهر به في العصر الحديث قصيدة الأديب والشاعر اليمني مروان المريسي عن مدينته هذه التي ينتمي إليها، فقد قال في محاورة بينه وبينها: أتطفئ نجمك من بعد ومض؟ وتهجرني رغم حسني وتمضي؟ أتتركني؟ أي قلب لديك ليقوى على العيش من دون نبض؟ تسائلني والأسى يحتويني ويعصف بعضي بأرجاء بعضي تسائلني إب قبل رحيلي وأنعم بها من سماء وأرض فأصمت صمت الفقير العزيز وأذرف دمع الوداع وأغضي لأني أفارقها رغم أنفي وما لي سبيل لأعلن رفضي * * مدينتي.. كفي ملامك كفي، فليس القضاء بكفي فأقضي، ووالله يا إب، إني المحب الذيل ولستُ أحيل العهود لنقض، غبارك أرقى وأنقى نسيم وماؤك أروى وأبرد حوض إذا سر بالسير صوبك قوم فما سرني غير عدو وركض ومهما تغربت عنك فإني سأبقى أصون الوداد بعضِّ ويبقى انتمائي إليك أصيلاً وهل يعبق الورد إلا بروض؟!

محافظة إب تقع في الجنوب من العاصمة صنعاء، وتبعد حوالي 193 كلم عنها. تتصل من الشمال بمحافظة ذمار، ومن الغرب بأجزاء من محافظتي ذمار والحديدة، ومن الجنوب بأجزاء من محافظتي الضالع وتعز، ومن الشرق بأجزاء من أراضي محافظات ذمار والبيضاء والضالع. يطلق عليها عاصمة اليمن السياحية لأنها من أجمل المدن اليمنية وأكثرها اخضرارًا ومناظر خلابة، وتمتلك إرثًا حضاريًا ضاربًا جذوره في أعماق التاريخ اليمني. ويسميها اليمنيون باللواء الأخضر. يشكل سكانها ما نسبته 10.8٪ من سكان الجمهورية، حيث يبلغ عددهم – استنادًا إلى إحصائيات عام 2004م – مليونين و131 ألفًا و861 نسمة. أما مساحتها فتقدر بحوالي 5552 كم² تتوزع في عشرين مديرية، وتعتبر مديرية القفر من أكبر مديرياتها. وتعد الزراعة النشاط الرئيسي لسكان المحافظة، حيث تشكل محاصيلها الزراعية ما نسبته 5.6٪ من إجمالي الإنتاج الزراعي في الجمهورية اليمنية. كما تمتلك المحافظة معالم تاريخية أبرزها مدينة «ظفار» عاصمة الحميريين و«جبلة» عاصمة الدولة الصليحية. وتتواصل الاكتشافات الأثرية فيها عامًا بعد عام مما يؤهلها أن تكون منافسًا فاعلاً بتراثها وآثارها لمحافظة مأرب. إضافة إلى ذلك، فالمحافظة تمتلك الكثير من الثروات المعدنية مثل المواد المستخدمة في صناعة الأسمنت والطوب الحراري، ومعدن (الزبولايت) المستخدم في صناعة المنظفات، والبازلت المستخدم في صناعة حجر البناء، وكذا المعدن المستخدم في صناعة أحجار الزينة. وتتميز محافظة إب بتضاريسها الوعرة باعتبارها مرتفعات جبلية تتخللها وديان عميقة واسعة في امتدادها وضيقة في ممراتها حادة وطويلة، أغلبها تصب في سهل تهامة غربًا. أما وديانها الواقعة شرقًا فتصب في خليج عدن. وتتكون تضاريسها بين سهول وأودية ومرتفعات جبلية. ومن أشهر وديانها وادي ميتم وأودية جبال بعدان، وصهبان والسبرة ووادي عنة، ووادي زبيد ووادي بنا ووادي الدور الذي تغنى به الشعراء وورد ذكره في كتب التاريخ وهو يمر جنوب مدينة العدين، ويعتبر من أجمل الأودية. أما أشهر جبالها فهي جبال يريم، وجبل بني مسلم الذي يرتفع عن سطح البحر بحوالي 3000 متر غرب مدينة يريم. ثم جبال ظفار التي كانت مقر الدولة الحميرية، ثم جبال شخب عمار وكحلان وجبل المنار وجبل بعدان. ويوجد فيها الكثير من الحصون الشهيرة مثل حصن «حبّ»، وجبل حبيش ومشورة التي كانت معقل الصليحيين وبها توجد آثار قديمة، وجبل الخضراء الذي يطل على السياني من الشرق، وجبل صهبان. ثم جبال العود التي تقع شرق بعدان، فجبال صباح التي تقع شرق جبل العود. أما المرتفعات الجنوبية للمحافظة فتشمل جبال العدين، وأشهرها جبال بني عوض وبني مليك، ثم جبال بلد الشهاري ومذيخرة وحمير والأشعوب، وجبل فرعد وهي سلسلة من جبال التعكر والعنسيين، وتشكل عمودًا يفصل بين وادي نخلة ووادي عنة. ومجمل القول: فإن مناخ عاصمة اليمن السياحية بشكل عام معتدل طوال العام، وأمطارها غزيرة مصحوبة بالبرودة، حيث يبلغ المعدل السنوي لتساقط الأمطار أكثر من 1000 مم على المرتفعات الجبلية الغربية والجنوبية للمحافظة عند ارتفاع 1500 متر عن سطح البحر. ولذلك، اشتهرت محافظة إب بالزراعة. أما في المعالم التاريخية، فتتميز المحافظة بوجود العديد من المعالم التاريخية التي شهدت تأسيس عدة دول عبر التاريخ القديم، مثل الدولة الحميرية التي أسسها الملك الحميري ذي ريدان عام 115 قبل الميلاد بمنطقة ظفار يحصب ووادي بنا. واختيرت مدينة ظفار على سفح جبل ريدان 30 كلم جنوب مدينة يريم عاصمة لهذه الدولة التي استمرت 640 عامًا، والتي منها زحف الحميريون شمالًا ليضموا إليهم الدولة السبئية وأقاموا دولة جديدة أسموها دولة «سبأ وذو ريدان»، وعاصمتها ظفار قاع الحقل التي شيدوا فيها السدود الكثيرة.

وقد وصفها الشاعر بقوله:
وفي البقعة الخضراء من أرض يحصُبٍ***ثمانون سداً تقذف الماء سائلا

وأهم معالم الدولة الحميرية قصر ريدان في ظفار، سور وأبواب مدينة يريم، وحصن المرايم، وقلعة البيني، وقلعة باب المناخ، وقلعة عمامة البنيان، وحصن ظفار بالقفر وغيرها. كما تعتبر جبلة معلمًا حضاريًا، حيث شهد تاريخ هذه المحافظة قيام الدولة الصليحية على يد الملك علي بن محمد الصليحي.

————————————————————

الورقة الثانية

مدينة إب القديمة بين الماضي والحاضر
لم يزل الحديث عن مدينة إب الغناء، مصدر فيض وإلهام، باعتبارها قلب الوطن الأخضر وعروس العربية السعيدة. ونظرًا لما أصاب هويتها الزراعية والثقافية والحرفية من إهمال، أحببتُ إعادة طرح هذا الموضوع، الذي كان محل اهتمام الجميع بين عامي 1989 و1999م، وتعاون الأخ المحافظ عبد القادر هلال آنذاك، الذي كانت له أيادٍ بيضاء تنموية في المدينة، من أهمها حجز وتأسيس جامعة إب على أرض صلبة السيدة أروى بنت أحمد.

كما أنه لا يزال يراودنا الحلم بأن يبعث مجدها من جديد وتعود عاصمة سياحية وزراعية وثقافية للوطن اليمني الكبير.

بعودة سريعة إلى تاريخها الذي لا نزال نبحث عن أصوله الكاملة، نود الإعراب عن شكرنا الجزيل لجامعة إب، ولأستاذ التاريخ فيها منذ عام 2004م، أ. د. محمد مظفر الأدهمي، على كتابه الثمين (تاريخ إب)، وهو دراسة لمدينة إب وما حولها، والذي أجاب على الكثير من التساؤلات ووثق كل ما توفرت لديه من المراجع الموثوقة، التي وفرتها له الجامعة وبعض أبناء المدينة المخلصين، ابتداءً من تأسيسها عام 380هـ، كما أورده يا قوت الحموي المؤرخ المشهور، عندما أسسها الأمير عبد الله بن قحطان، كما سبق وذكرنا في الموضوع السابق، وعلاقة الاسم بـ “آب” (أغسطس)، نسبة إلى غزارة الأمطار في هذا الموسم، والتي ذكر المؤرخ العلامة محمد بن علي الأكوع، أنها تزيد بنحو سبعين مطرة في العام على باقي مناطق اليمن.

ومما أفادت به بعض القرائن، التي عرفناها مؤخرًا، ومن بعض الآثار التي عثر عليها في منطقة العود ووراف، وما ذكره التليفزيون اليمني عن العثور على نقش حجري مكتوب بالمسند، وما يعزز هذا الرأي، ما ذكره نزيه مؤيد العظم في كتابه (رحلة في بلاد العربية السعيدة من مصر إلى صنعاء)، الذي رأى بنايات ضخمة قد تداعت أطرافها، ومكتوب على كثير من حجارتها وأبوابها ومنافذها كتابات مطولة بالخط الحميري، وبهذا رجح ما كنا نطرحه عن قدم المدينة ورجوع تاريخها إلى العصر الحميري، كما رجح إمكانية اشتقاق الاسم من “إب يدَع الحميري” أو “إب يثع” أو “أب كرب أسعد”، وهما من الملوك الحميريين، المعاصرين للذي فايش الحميري، الذي ورد ذكره في قصيدة أعشى قيس، وهو من فحول شعراء الجاهلية، حين زار المنطقة، حيث يقول:
وذو فــايشٍ قــد زرتــهُ في مُمنّــعٍ من النّيْـق فيهِ للوعـولِ مواردُ
ببعــــــدان أو ريمان أو دار سِـليةٍ شفاءٌ لمن يشكز السمائمَ بـاردُ
ومن دونهِ (حرد المداكي) وفوقها حماةٌ بأيديها السيوف الحواصدُ
وذو فايشٍ من رأسه فوق مشرفٍ تُقَصِّر عنه الهاضبات الرواعـدُ

ودار سِلية ما هو إلا قمّة السَّريَمة، رأس جبل المنار حاليا، وتلاحظ الإشارة هنا إلى كثرة الوعول ،في جبالها ، التي كانت رمزا للدولة الحميرية كما في جميع عتبات بيوت بيت الأشول المأخوذة من مدينة ظفارالعاصمة،وكلمة حرد المداكي فقد وردت هكذا وكأنها إسم لمنطقة ،أو لعلها مصطلح لحالة مناوشات حربية، ودار البيضاء، الذي لا يزال وسيأتي ذكره، يُقال أنه يعود للبيضاء، بنت شمر يرعش الحميري، ذكرته أنا في قصيدة (إب الجميلة).
لا يزال لدينا كتاب مهم ،ولكنه لم يكتمل هو (الراغب في تاريخ مدينة إب) للمؤرخ الكبير المرحوم محمد يحي الحداد ،لا يزال بحاجة إلى جهةٍ تتبنى طبعهُ ونشره، وهو الآن متوفر.
يقول الكاتب الغربي المعاصر في كتابه المشهور( البداوة): إن الحضارة اليمنية القديمة، إنما انتقلت إلى باقي الجزيرة العربية وإلى خارجها من المناطق المطيرة، وهذه إشارة إلى البقعة الخضراء من أرض يحصب العامرة، بالسدودأما المؤرخ السوري (إبراهيم دلّلو)، فقد ذكر في كتابه “تاريخ الجزيرة العربية”، والذي لم يتحدث في عمومه إلا عن اليمن، أنه قال إن مناخ الجزيرة لم يتغير منذ ما قبل 2000 سنة، وأن أسماء الجبال وبعض المناطق اليمنية هي أسماء لأبطال تاريخيين. وقد سمى العديد من المناطق اليمنية التي كانت تحتوي على المناجم العديدة للحديد، والذهب، والنحاس، والصناعات المعدنية، وهندسة السدود، والمصنوعات الجلدية، والأسلحة، والمجوهرات، وصناعات النسيج، والأواني الفخارية، وغيرها، ومنها ما هو في محافظة إب، خصوصًا الأخيرة (البُردة السحولية).

ما كتب عن مدينة إب من أدب، وشعر، ونثر، وأخبار ليس بالقليل، ولا نزال بصدد جمعه وتوثيقه لحفظه من الضياع، وجمع المخطوطات القديمة، التي قد سُرق جزء منها، هي المسؤولية الكبرى على المجتمع وعلى القائمين بالأمر.

لقد صدرت العديد من المقالات العربية والأجنبية، وجميعها تتغنى بروعــــــة المناخ وسحر الطبيعة في إب الخضراء، ومنها ما نشرته مجلة الشباب والرياضة الخليجية لكاتب أجنبي، العدد 447، يقارن مناخها بمنتجع (سموكي ماونتين) بولاية تنيسي الأمريكية، الذي لا يستمر هكذا هناك طول العام، ومنتجع (بلو ماونتين) في أستراليا كذلك، وينفي وجود مناخ مثله في كافة المعمورة.

نعم، هذه هي إب درة المدن ونفحة التاريخ، تتميز بمرتفعاتها ومنخفضاتها ومدرجاتها وسهولها، وبسحر طبيعتها وجمالها ونقائها واعتدال مناخها، وانتشار خضرتها من أشجار وورود وأزهار وأعشاب، يتلألأ الطلُّ على خصلاتها في لوحة إبداعية رسمتها يد الخالق الذي أودع فيها الخضرة والزراعة بشكل متناغم ورائع، يجسد في مجمله بساطًا مخمليًا ناعما يقصده عشاق الطبيعة من كل بقاع العالم.

أضافت هذه المجلة، الصادرة عن مؤسسة البيان (بدبي)، تحقيقًا موسعًا عن مدينة إب وضواحيها بعنوان “إب تحرسها الجبال ..ويغسلها المطر”. تقول فيه: “هنا تستريح النفس، تغتسل من قلقها، وتحلق إلى فضاءٍ لا حدود لجماله. هنا تعيش عالما من أساطير خضراء، وتسبح في فيض من العطاء الذي لا ينتهي، الجبال واقفةٌ في شمم، والأمطار تزرع الخصب في قممها وسفوحها. في إب عليك أن تعرف لماذا كانت المنطقة سلة الغذاء لليمن. كل المدن تحتاج إلى جهد كبير للكتابة عنها، لكن إب اليمنية منطقة من نوع آخر، تتحدث عن نفسها، وتفتح أسرارها لكل الساعين إليها فتأسرهم حين يبحثون بعيونهم عن حضن أخضر، من أروع ما أبدعه الله في الطبيعة. ما بين الفضاء والأرض مساحة من المطر والعشق الأخضر، وما بين إب والناس مساحة من العطاء الممتد، الأرض تمنح واليمنيون يعشقون. في إب للحياة طعم خاص، وللتعامل مع أهلها لون خاص يتميز بالكرم والطيبة والبساطة، يغمرك شعور بالبرودة في الهواء، وفي الروح معًا.
وأنت تتجول في وديانها الخضراء ،أو تنحدر من جبالها وتشاهد بيوتها المعلقة على صفحات الجبال ، وتطــلُّ على وديانها العميقة التي تغـزّل الشعراء بجمالها مثل وادي بناء، ووادي الدور، ووادي عنّة ، ووادي الشناسي ببعدان،وغيرها ، ولا يسعك إلا أن تردد(وامغرد بوادي الدور
من فوق الأغصان..وامهيِّج صباباتي بترجيع الألحان).

أما أجمل ما قيل من شعر كليا عن هذه المدينة وفي وصف مدينة جبلة، وذي السفال فلا يتسع الوقت لذكره هنا، وربما ننشره في ملحق خاص.
ندخل الآن في مسائل ومشاكل الواقع العملي المُعاش، ونتطرق إلى الواقع الافتراضي الذي نتطلع إليه لإصلاح ما أفسد الدهر ولتلافي ما حصل ويحصل من سلبيات. السكوت عنها لا يجوز. ولكن قبل ذلك لا بد من العودة لرسم خريطة ومعالم مدينة إب القديمة، التي استمرت مئات الأجيال على نمطها الثابت والمعروف، الذي أتيحت لنا رؤيته ومعرفته قبل قيام ثورة سبتمبر المجيدة 1962م. تلك الثورة التي بقدر ما أضافت إليه جديدًا، بقدر ما فتحت سُبل التغيير والحداثة على مصراعيها، وبقدر ما أفسدت بعض مظاهر الثوابت التاريخية الجميلة التي كانت تعود بالنفع على البيئة والإنسان والحيوان والسياحة والاكتفاء الذاتي.

هذه الإطلالة على الماضي هي المرتكز الذي نستطيع، والأجيال القادمة من بعدنا، من وضع خارطة جديدة، واستراتيجية للمستقبل، لمواكبة النهوض وإعادة الروح والمميزات والخصوصيات الجمالية لإب الجميلة، كما عرفناها، قديماً وأحببناها.

د. عبد الكريم الشويطر 26/10 2013م
————————————————————

الورقة الثالثة

البناء والعمران:

كما أسلفنا سابقًا، أن مدينة إب التي عهدناها قبل الانفتاح العمراني الكبير بعد الثورة، كانت قد بُنيت على تل صخري جيري شبه مربع غير قابل للزراعة، ومن ناحية أخرى لتشرف على أهم ثلاثة وديان خصبة، ليس على مستوى إب فقط، بل على مستوى الوطن بأسره، وهي وادي الظهار، ووادي السحول، ووادي ميتم، التي كانت تعتبر سلة الغذاء على مستوى المحافظة بل وبقية المحافظات اليمنية. فعلى سبيل الدلالة، وبحسب ما توفر لدينا من المصادر، فقد كانت زكاتها في عام 1356 هـ 69000 قدح، وزكاة وادي الظهار لوحده 40000 قدح. كانت تجمع في مدافن الحَب التي لا يكاد يخلو منها أي منزل، وكانت بعض المنازل تحتوي على 3-4 مدافن. ونصيب بيت المال يُساق عينًا ويحفظ في (الشونة) ويرسل قسم كبير منه إلى قصر غمدان في صنعاء سنويًا.

النمط المعماري:

التفصيلات التي نطرحها هنا ليست على سبيل السرد لما هو موثق أو لما هو لا يزال قائمًا ويشهد على نفسه، وإنما على سبيل استنباط الأفكار والأعمال التراثية وتحليلها لاستنطاقها وأخذ العبرة والخبرة التي يمكن البناء عليها، واستبدال ما فُقد منها، وتحديثها وإعادة روح الأصالة إلى ماضينا الحضاري الغابر.

بنيت المدينة على أنماط منازل حجرية متراصة برجية عالية تصل إلى 4-5 أدوار من الأحجار البنية الرمادية البركانية، وكأنها قد بُنيت في يوم واحد من نفس النوع من الحجر (الشيصر) المقاوم للرطوبة، وعلى نفس الطراز الذي تميز في عهد الصليحيين في مدينة إب ومدينة جبلة. ولا تكاد توجد في المدينة كلها حجر واحد من غير ذلك النوع. ومما أدهشني هو إعادة رسم معالم البيوت والدور والزخارف السائدة في الأقواس والقمريات والحِجَب والزخارف الداخلية والخارجية التي قام أحد الباحثين الفرنسيين بإعادة صياغتها برسوماته الرائعة لنيل درجة الدكتوراه، فكانت تحفة خلابة تسُرُّ الناظرين. وقد وعد بإرسال نسخة منها إلينا، ويحتاج الأمر إلى المتابعة.

تتميز تلك المنازل بالطيقان الواسعة، والقمريات الملونة، وكل منها يطل على الشمس وعلى منظر خلاب لأحد الأودية يمنة أو يسرة، ولا يؤذي الجيران، مما يدل على الهندسة المعمارية الراقية وروح التآلف والتسامح بين السكان وجيرانهم. كما أن بعض الدور العالية كانت تقوم على تجاويف من الخشب الأحمر الصلب في باطن مداميك البناء لتوسيعه أو لتغيير تفاصيله أو فلْسه عند الحاجة. وتلك خبرة ما كان يتمتع بها إلا القليل من البنائين الذين يتميزون بعقول إبداعية وخبرة تراكمية مكنت تلك الأبنية من الصمود قرونًا تحت وابِل الأمطار الغزيرة.

لقد كان من شبه إلزامي على الجميع تبييض البيوت وحواف الطيقان والمنائر والقباب والمساجد سنويًا بالنورة التي تقتل البكتيريا وللحفاظ على النظافة العامة، لكي تظل المدينة تسطع كاللؤلؤة في قلب تلك اللجّة الخضراء.

السور والأبواب:

سور وأبواب المدينة هي من أبرز المعالم الأثرية والسياحية الرئيسية الشاهدة على حضارة هذه المدينة التي كانت تحميها من الهجمات العسكرية التي كانت تهدد أمن سكان المدينة. ويعتبر سور إب القديمة من الأماكن التي شيد حول مبانيها وكان له خمسة مداخل وأبواب، وهي: الباب الكبير، وباب الراكزة، وباب النصر، وباب سنبل، والباب الجديد الذي كان يسمى باب (راية). وقد كنا ننشد ونحن صغارًا في المناسبات (الدخول من باب سنبل، والخروج من باب راية). وفي هذا إشارة إلى أنه كان من عادات أهالي المدينة استقبال الضيوف والوفود من باب الكبير أو باب سنبل، وتوديعهم من باب راية. وكانت هناك لجنة من كبار الشخصيات مكلفة بذلك. المدينة كانت محاطة بسور حصين كما ذكرنا من نفس الأحجار، خضع لعدة توسيعات بحسب توسع المدينة، وآخر التوسيعات والترميمات للسور كانت على يد محسن بن علي الحبيشي الحريبي، وكانت لها خمسة أبواب هي باب الراكزة، وباب النصر، وباب سنبل، وباب راية (باب الجديد)، وباب الكبير، ويلاحظ هنا أن معظم الأبواب تطل على منحدر أو عقبة، ليصعب اختراقها، أما باب الراكزة، وهو الباب الوحيد المتبقي، فله اعتبار خاص لفت إليه الأستاذ الأدهمي وقارنه ببعض أبواب مدن العراق المحصنة، مثل تكريت وأربيل وكركوك وهي ما تسمى بالزوراء أو المزورة حيث تُفتح على حائط حجري خارجه تجعل من الهجوم العسكري المباشر عليه من الأعداء أمرًا صعبًا. هذه المدينة الصغيرة التي لا يتجاوز طول سورها الكيلو والنصف، بحسب الأدهمي، (1450 مترًا) كانت تحتوي على كل معالم المدينة الحضرية، من حيث الإنشاءات والخدمات، رغم أن عدد سكانها كان لا يتجاوز العشرة آلاف نسمة تقريبًا، رصفت شوارعها بالحجارة الجرانيتية (الصورع) عدة مرات وآخرها كان حديثًا في العقد الماضي، وقد كانت مصممة بحيث لا تستقر فيها قطرة واحدة بعد هطول الأمطار، لأن تحت شوارعها أنشئت قديمًا شبكة عظيمة من الأنفاق الحجرية المقوسة بعقود حجرية تبلغ قامة الإنسان وأعلى، وتنفذ بعيدًا إلى ضواحي المدينة لتصريف المياه، وللننفاذ منها وقت الشدائد والمحن، منها على سبيل المثال ما يُفتح شمالًا إلى شِعبة المغيرة التي تصبُّ جميعها في ما سُمِّي المعجنة، وسميت بالمغيرة كذلك، لطلب الإغارة والنجدة من الأعوان، وشبكة أخرى تُفتح جنوبًا إلى السائلة جوار شعبة الأخدام لنفس الغرض ولطلب المياه إذا لزم، وقد رُدمت مداخل تلك الأنفاق أثناء هذا الصلح الجديد الذي ذكرناه، حتى لم يعد ممكنًا التعرف على مواقعها. كان للمدينة ثلاثة ميادين، الميدان الأعلى، حيث يعقد السوق الأسبوعي، وقد بُنيَ في قلبه صفًّا من الدكاكين قبيل الثورة، والميدان الأسفل جوار الجامع الكبير، وميدان الجاءة الذي كان سوقًا للحطب والمدر والأنعام، وقد بُنيَ في قلبه دار السينما الوحيد. في المدينة مئذنتان شامختان، الأولى هي الجلالية وقد بُنيت على الطراز الصنعاني في عهد المهدي الذي بنى قبة المهدي في صنعاء المعروفة، وقد قيل حينها إنها أطول منارة في اليمن، أما الثانية وهي الأقدم، في الجامع الكبير المسمى بالجامع العمري أو الخطابي، وهي من الحجر المطلي بالقضاض، وهندسة بنائها رائعة، لفت الانتباه إليها أحد السياح، الذي لاحظ أنها الوحيدة في اليمن التي لديها مكنَّة فوق المطاف تُظلِّل المؤذن من حر الشمس، وهطول الأمطار.

الحارات والمباني:

تحتوي مدينة إب القديمة على 33 حارة، في هذه الحارات بيوت ضخمة، كان لها تاريخ مفصل وتعتبر قصورًا في ذلك العهد وعددها 38 ويُطلق عليها اسم (دار) مثل دار الثجة وهو الأقدم، ودار الملك، ودار البيضاء، ودار الديدبان، ودار القلم، ودار السيسي، ودار صفر، ودار الحمام، ودار الفرناج (124هـ)، ودار الخان، ودار عقيل (المتوكل)، ودار الشجاع، ودار الواسطة، ودار القلم، ودار الحكيم، ودار الغدر، ودار الحليب، ودار الميدان ودار الشماع، ودار الخباني، ودار العزوة، ودار النمي، ودار العيدروس، ودار زهير، ودار السيع، ودار الشرفي، ودار الخبشة، ودار المجزبي، ودار النصيف، والدار الجديد، ودار الضرب، ودار الصامت، ودار سعد الدين، ودار المسنى، ودار بيت منير (دار الحكومة)… تجدونها مفصلة في كتاب (تاريخ إب) الذي أشرنا إليه للأستاذ الدكتور العراقي محمد مظفر الأدهمي، الذي أنصح الجميع باقتنائه فهو مرجع هام وجهد كبير يتناول العديد من الإحصائيات والأحداث الهامة، والكوارث والحروب والغارات والجائحات والأوبئة المرضية، التي تعرضت لها المنطقة عمومًا، والأهم في هذا هو التاريخ الثقافي للمدينة من خلال حصر وتوثيق أهم المساجد والمدارس التي يقارب عددها عدد الحارات وتسمى في الغالب باسمها التي غالبًا ما كانت للعبادة والدراسة وكذلك الهجر تجدونها مفصلة بأسمائها وأسماء مؤسسيها ابتداءً من الجامع الكبير والجلاليتين إلى ذكر العهد الرسولي والطاهري الذي شهد نهضة علمية هائلة، والأهم من ذلك كله توثيق أسماء الأئمة العلماء والفقهاء الكبار ونبذة من آثارهم الجليلة وترتيبهم بالسلسل حتى عصرنا الحاضر. تعتبر هذه الدراسة مدخلًا للعديد من الأبحاث والدراسات وعقد المقارنات بين عدد المدارس بالنسبة إلى السكان، وسنخرج بهذا إلى حقائق مدهشة. ورد في الكتاب أيضًا إنشاء وتوريخ بناء السواقي العديدة التي أوصلت المياه إلى البيوت والمساجد من عين الخطابي في المويه والتحسينات التي أتت بعد ذلك تباعًا، وبناء تلك البوابات العملاقة التي حملت الساقية العليا والسفلى إلى المسنى، وإلى كل منزل والتي كان هدمها من أكبر الجرائم الأثرية، وحتى عهد السياغي، الذي أوصل المياه بالقصب إلى الحنفيات والحواري، كل ذلك تجدونه في هذا الكتاب الذي لم يغفل حتى عن ذكر عدد السماسر والخانات والسقايات والأسواق وخلافه، لكنه لم يتطرق فقط إلى ذكر البساتين التي كانت تحيط بالمدينة، والسدود الضخمة التي كانت في ضواحيها والشعب التي كان لكل منها غرضه الخاص، وعدد القرى المهول، التي اكتسحتها المدينة الجديدة، وأصبحت جزءًا منها، وكذلك المجارين الواسعة والصلب التي كانت تمثل المراعي الواسعة لكافة أنواع المواشي كما لم يذكر عدد الينابيع والعيون الطبيعية التي كانت حول المدينة وحواليها والتي طمرها التوسع العمراني، كل ذلك لأنها ببساطة لم تعد موجودة، ولم يحدث أبدًا حتى الآن في إيجاد بدائل لها، بما في ذلك حتى المقابر، وقد نتطرق لذلك في مقال آخر إن شاء الله.
د عبد الكريم الشويطر 26/10/2013م

————————————————————

الورقة الرابعة (هـــام)

يأتي بعدها ملحق سياحي ثم التوصيات التي سنتشاركها معكم إن شاء الله

أهم معالم مدينة إب القديمة
نعود الآن – كما وعدنا – إلى ذكر ما جرى إهماله، وتخريبه، والبناء عليه، لا بغرض التأسي والتباكي على ما فات، ولكن لغرض التوثيق والإحصاء، وذكر أهم المقومات التي قامت عليها الحياة في العصور السابقة، والنظر فيما يمكن إعادة تأهيله، أو ترميمه، وعقد المقارنات بين ما كانت تحتاجه البلدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبين ما أُضيف بعد التوسع الهائل للمدينة وتلبية حاجات سكانها المتصاعدة، لتعويض ما فقد ووضع الخطط والاستراتيجيات للمستقبل، القريب والبعيد.

المعالم السياحية:
أما عن المعالم السياحية، فيوجد في مدينة إب القديمة معالم أثرية كثيرة كالدكاكين الصغيرة، ومحلات المشغولات اليدوية والفضية وبقايا الحلي وغيرها. هناك سوق يقع وسط المدينة ويزوره الكثير من السياح العرب والأجانب الذين يقومون بشراء التحف والهدايا والمشغولات القديمة. وهناك كانت سواقي المياه العذبة التي أيضاً كانت تأتي من خلال سواقي مشيدة بالحجارة والقضاض من الجبال والوديان على مسافات مرتفعة لتصل إلى سكان المدينة لتغذيتهم بمياه الشرب النقية، ولكن تم تخريبها. وهذه البيوت المتميزة بفنها المعماري هي من أهم المعالم السياحية الجذابة بالمدينة.

الأسواق والخانات:
هناك أسواق مشهورة، ومنها سوق المقاوتة وسوق اللحام وسوق الطعام وهو السوق الحالي. كما يوجد فيها سوق القماش، وسوق المزاينة (سفال السوق)، وسوق المخياطة أو سوق الطعام عند سكة النخلة، وهو الشارع الرئيسي. أما سوق المعطارة والحطب والمدر واللبن فكان في الميدان الأسفل وسوق الملح، وهو السوق الأسبوعي، فكان في الميدان الأعلى. يتفرع منه سوق الجنابي، وكذلك سوق اللحمة عند سكة الحلقة.
تميزت مدينة إب بوجود الخانات (السماسر) لمبيت المسافرين مع دوابهم منها الخان الأسفل جوار مدرسة الصبان، وخان فارس، والخان الأعلى وسمسرة الصنعاني، وسمسرة الغرباني جوار الشمسي، وسمسرة النخلة شمال السوق الأسفل.

الجامع الكبير والمشنَّة:
تم تشييد وبناء الجامع الكبير بالمدينة في العقد الثاني من القرن الأول للهجرة، ويقال إنه من أقدم المساجد في اليمن، وهو من الجوامع التي يتميز بجمال تصميمه، من حيث الشكل والسعة والحجم. وقد سُمي بالجامع العمري نسبة إلى مؤسسه الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولأهمية هذا الصرح كمسجد فقد ناله كثير من العناية والرعاية حيث تعاقبت عليه خلال العصور الإسلامية الإضافات والتجديدات وأعمال الترميمات. وكانت أكبر توسعة حصلت للجامع تلك التي قام بها وزير الدولة الزيادية الحسين بن سلامة. بالإضافة إلى التجديدات الأخرى التي تمت في عهد السلطان عامر بن عبد الوهاب – عصر الدولة الطاهرية عام 894 – 923، وفي عام 996هـ وتحديداً آخر أيام الحكم الأول للعثمانيين قام حسن باشا بأعمال تجديد أخرى. وما يثير الإعجاب أن تخطيط الجامع الكبير في إب يشبه مسجد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو عبارة عن تحفة فنية معمارية رائعة. فالصحن التابع للجامع تحيط به أروقة أعمقها رواق القبلة الذي يتكون من مقدمة الجامع تغطيه قباب بديعة إلى جانب الدعائم التي تنفرد بوجود بلاطة عمودية على جدار القبلة.. حاجز قاطع للجامع. كما أن الجامع الذي بني على ربوة مرتفعة وسط المدينة القديمة يتميز بمداخله الثلاثة والمآذن التي تقع في الناحية الجنوبية الشرقية التي تلفت الانتباه فهي على شكل بدن مثمن تنتهي بشرفة يتوجها من الأعلى طاقة مقببة، والتي يعود تاريخ بنائها إلى عصر الدولة الرسولية عام 685هـ والتي ما زالت تنفح برائحة الماضي الفائت والطراز المعماري الأخاذ.
تراث إبداعي ومما يدل على أن مدينة إب ذات تاريخ عريق المدرسة الجلالية العليا التي تتميز بموقعها الفريد الذي أضفى عليها منظراً خاصاً وقد شيدها الشيخ جلال الدين محمد بن أبي بكر السيري في بداية القرن التاسع الهجري لتكون مركزاً لتدريس الفقه والعلوم الإسلامية الأخرى. وفي المدرسة توجد مئذنة تعد من أجمل المآذن اليمنية التي تتكون من قاعدة مربعة يعلوها مضلع مطرز بزخارف هندسية بديعة مصنوعة من الآجر والجص القوي الذي كانت تشتهر به محافظة إب حينذاك ويتوج المئذنة من الأعلى قبة مضلعة شامخة شموخ التاريخ وجميلة التصميم المعماري الأصيل. وتعتبر المدرسة الجلالية العليا اليوم من أفضل أماكن الجذب للوفود السياحية الذين يرتادون المدينة لما تمتلكه من إبداع في التصميم والإنشاء المعماري، وبحكم موقعها في منتصف المدينة القديمة.
مدرسة المشنة:
تعد مدرسة المشنة التي أمر ببنائها الأمير جلال الدين النظاري منتصف القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي من المعالم الإسلامية.. التي يمكن زيارتها ومشاهدة ما تبقى من معالمها التي تشتمل على صحن مكشوف وأيوان للدرس، كذلك المحراب الذي يتألف من حنية تؤطرها أشرطة كتابية. بالإضافة إلى بيت الصلاة الذي يقع إلى الشمال من صحن المدرسة وهو مربع الشكل فتح في جداره الجنوبي مدخل مستطيل الشكل عليه عقد مدبب، أما مدخل المدرسة فيفضي إلى ساحة فسيحة مربعة الشكل التي تحتوي على بلاطتين بواسطة بائكة في الأعمدة، ويوجد عمودان مضلعان يعليهما تيجان ناقوسية الشكل، التي تقوم بحمل السقف الذي هو عبارة عن مصندقات خشبية والتي تعتبر من أجمل التحف المزخرفة.

المساجد والمدارس:
مسجد السني (سيف السنة) أحمد محمد البريهي- القرن 6 الهجري، مدرسة البيحاني (شمال دار الملك)، السنف (غرب باب النصر)، مدرسة الحمضي (جوار دار الواسطة)، مدرسة قشمر (في جنوب المدينة)، مدرسة عقيل (في حارة عقيل)، القرن 11 الهجري، مدرسة الغفرة (للنساء)، مدرسة الكاظمي (في باب الكبير)، مدرسة المخلطة، مدرسة الصامت، مدرسة الحليب، مدرسة الهادي، قبة الفقيه (للنساء)، مدرسة الصامت، مدرسة النمي، ومن المساجد المشهورة المدرسة الأسدية، الصبان (جوار خان فارس)، مدرسة الشمسي، مدرسة الجلالية العليا (في قلب المدينة)، الجلالية السفلى (الميدان الأسفل)، المدرسة النظارية (المشنّة).
المساجد التي تزود بالماء من (المسنى)، أي من الساقية العليا فوق البوابات هي: الجلالية العليا، الأسدية، مسجد علي بن عمر الأزهر (السلاط) حالياً، مسجد الحشيش، البيحاني، والكاظمي، الجلالية السفلى ومدرسة البدرية. أما البقية فكانت تُزود بالمياه من الساقية السفلى تحت البوابات، التي تتواصل حتى أحواض الحمزاوي خارج المدينة.

الأحواض:
من الأحواض التي خصصت للأنعام والإبل وغيرها: أحواض المشنة، الحمزاوي، أحواض نعيمة، الأحواض السفل، وأحواض البجور.

السدود المقضضة:
وهي أحواض ضخمة مقضضة لخزن المياه من السيول والأمطار، خارج إطار المدينة. سد الحسن في أعلى الجبانة، وسد الحاءة، وقد تحول إلى سجن!! سد الإبي، وقد أصبح خزاناً لمسجد بُني فوقه (السلام) وضيق الشارع الرئيسي، وسد أبلان الواسع الذي رُدم أمامي بالتراب، وتحول إلى جولة خماسية قبيحة، أمام المحكمة، وسد جرافة، وسد العرمة، في الظهار.

البساتين:
وهي تلك الحدائق الغنـاء التي كانت تحيط بالمدينة، كأحاطة السوار بالمعصم وتمثل قاعدة التاج الأخضر للمدينة، كما وصف أمين الريحاني، والتي كانت تزود المدينة بجميع أنواع الفواكه :والخضروات
بستان حول حمام التاريخي، بني فوقه المجمع الحكومي، وسوق السمك،
بستان الشويطر من حول حمام إلى المخلولة وهو خمسة أقسام، أصبح الخط الدائري، (بدون أي تعويض)، بستان عمقي يمتد إلى عقيل، بستان السيد إسماعيل، خارج باب الراكزة، وبستان التركي ويمتد إلى جوار الحمام. إضافة إلى ذلك بساتين خميشع بظهر الجبل، وبساتين الذهوب والمعجنة، إضافة إلى بساتين الشعاب والجمري والبجور، وكلها لم يعد لها أثر.
ولا يوجد لها بديل حتى الآن، بما في ذلك البساتين الشخصية حول بعض البيوت والتي كانت تسمى (مشقار، أو مشاقير).الخانات، والسماسر، والسقايات، والصُّبول لعابري السبيل:
لم تكن تخفى فائدتها حينذاك، ولم نعد بحاجة إلى ذكرها الآن في هذا المقام.

الشِّعب أو الدكادك:
والدكادك لغة فصحى، وكان يسمى في إب الدكدك، يقول الشاعر:
لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذرف الدموع السوافك
وقال أتبكي كل قبرٍ رأيته لميتٍ ثوى بين اللوى والدكادك
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا فدعني فهذا كله قبر مالك

وهي ضواحي شبه منحدرة، كانت تقع خارج أسوار المدينة، وتخدم أغراضًا متنوعة، منها مثلا، شِعبة المُعزية، خارج باب الكبير خصصت للنساء لتوديع الجنازات (أنظر إلى هذه اللفتة الحضارية)، وشعبة الجلود
وشِعبة نمارة، والمعقبة، والقرنين، وخميشع، وشِعبة الأخدام (وهذه غير حضارية) وشِعب أخرى مما كان يخصص لجمع الأعلاف أو لتضحية الملابس المصبوغة وغيرها، وهذه كلها أيضًا لم يعد لها أثر.

الآبار والعيون، وينابيع المياه:
تلك التي كانت تحفُّ بالمدينة، والتي طُمرت أو تم البناء عليها أو نضبت فهي على سبيل التقدير: عين داوود، بركة الآنسي في خميشع، عين دار القدسي، وهي نافورة طبيعية، عين الفارس في الصلبة، المخزوج الذي شاء الله الكشف عنه أثناء تأسيس الاستاد الرياضي وأغلق أو ربما نضب، البجور وهي جملة ينابيع كما يدل على ذلك الاسم، أحواض نعيمة، عين الذهوب، عين وادي ذهب، عين المرَد، بئر السبل، عين مشرب النخل تحت النفاشة، عين الغربة، عين الشيخ عبد الرحمن، عين بركة الشفاء بالمعاين، وهي لا تزال وتحتاج إلى صيانة، وتحتها وحولها جملة ينابيع ومن هنا جاء اسمها المعاين ومنها ما يسمى حول بَرِك، التي أصبحت جزءًا من الحديقة العامة التي يجب الحفاظ عليها.

المساحات الخضراء:
المساحات الخضراء التي كانت تحفُّ بالمدينة القديمة، هي الموضوع الأهم
من كل ما أوردناه، حيث وقد كانت الأجود والأخصب في المنطقة وقد تجاوزت مساحاتها ما يربو على عشرة أضعاف مساحة المدينة نفسها، وذلك خارجًا عن البساتين التي تم ذكرها، وخصصت كمراعي وملاعب ومتنزهات ومقابر نذكر منها:
1- صلبة السيدة وهي المرعى الرئيسي أقفته السيدة أروى بعد شراء
مساحتها نقدًا وبثمن مجزٍ، مساحتها 13 ألف قصبة، ومن حسن الحظ أنه تم تلافي الجزء الأكبر، وخصص لجامعة إب، ولا نزال نكرر الشكر لصاحب الفضل في ذلك المحافظ عبد القادر هلال، وتعاون أبناء المنطقة.
2- المحطة والمحرور: من أسفل قلالة المنظر مرورا بملعب الشهيد الكبسي، وحتى جامع جرافة، إلى مدرسة الشهيد الصباحي وحتى جامع ابن شيخ المسمى حاليا جامع النور، تم تلافي أقل من الربع للمقبرة الحالية التي لم تعد تكفي الآن.
3- الجبانة العليا والسفلى: من جوار دار الحسن سابقًا والمستشفى الجمهوري والأمومة، وحتى مبنى الهلال الأحمر، والمساحات التي تحيط بذلك التل الكبير المسمى الجبان العليا والسفلى حتى باب الجديد.
4- مجران العامل الذي أوقفه طيب الذكر إسماعيل با سلامة سوق الغنم حاليًا.
5- صلبة حول جرجرة، التي كانت جوار الحول المسمى من أملاك القاضي يحي الشويطر، وقد أزيلت تمامًا مع الصّبل المجاور.
6- مجارين المخزوج جوار الصلبة ومجارين المثلث شمال مزرعة المرحوم الوالد ومساحتها 160 قصبة.
7- المجعارة، وهي من باب النصر على باب المشنة، على ضفتي البواباب القديمة التاريخية المهدومة.
8- مجارين ابلان وهي عدة مجارين كانت تخدم الظهار الأعلى بكامله.
9- مجارين جميع القرى التي اكتسحتها المدينة الجديدة وصارت جزءًا منها وعددها نحو 37 قرية وسنأتي على ذكرها.
كل هذه المساحات الخضراء الواسعة كانت تمثل رئة المدينة ومصدر
من مصادر حياتها الآتي من الرعي والحصاد والتنزه.
هنا يأتي السؤال الملح أين البديل؟؟…. وخصوصًا أن المدينة وعدد سكانها قد تضاعف عشرات المرات.

القرى المحيطة والتي صارت جزءًا من المدينة:
بعد الانفجار السكاني، والهجرة من الريف ومرحلة ما يسمى (جنون الإعمار)، توسعت المدينة توسعًا هائلًا واكتسحت المباني الإسمنتية المسلحة والحجرية، المتنافرة الألوان، وادي الظهار بأكمله والمساحات الخضراء التي سبق ذكرها، بل وتواصلت مع جميع القرى المحيطة بها بشكل عشوائي، من ناحية بين القرى وبعضها، ومن ناحية أخرى بين القرى والمدينة نفسها، (عدد 37 قرية)، ما أدى إلى تشكل فسيفساء مبعثرة على الإكام والروابي والسهول، ولم تترك جميعها أي مساحات فارغة أو متنفسات خضراء أو غبراء، ما أدى إلى اختناق الحركة وتلوث البيئة، وصعوبة التواصل وتوفير الخدمات الأساسية، وفقدان المدينة طابعها وهويتها التاريخية الحضارية، وهذه القرى هي:
الجمري، دار القدسي، العقائر، بيوت العدَن، المعاين، السَّبَل، قحزة اكمة الصعفاني، المندافة، أكمة عيسى، المحصن، جرافة، عيقرة المشاعبة، الحمّامي، مدَرْ، حراثة العليا، والسفلى، الجباجب، منزل الراعية، الغُربة، القَريات، الهمائي، الخربة، الحرقة، نُمارة، الدحثاث، جوبلة، أبلان، بيت الوصابي، وقير، زيخان، أنامر أعلى وأسفل.
ولا يزال الزحف يتواصل وقريبًا تتواصل مع مدينة جبلة التاريخية التي تشهد بدورها توسعًا في جهاتها الأربع.
فهل من حلول لهذا الخضم الواسع من العبث العمراني؟؟ نترك الإجابة
للقائمين على الأمر والشباب الواعي المثقف لإصلاح ما أفسده الآباء،
وأولي الأمر من أوائل الستينات وحتى اليوم.


د.عبد الكريم الشويطر 30/10/2013م

لا تعجبَنَّ إذا بكيتُ وشاقني وجْدي
وفـــــارقني اصطباري، والوسـنْ
واعجبْ لخافقة الجناح تطــــوّقتْ
وتخضّبتْ فَحَكتْ غرامي والشجنْ
ناديتها متعجبــــــاً منــها وقــــــد
رقصت على فننٍ وغنّتْ في فــننْ
أحمامُ مالكِ والبكا ، لم تفقــــــدي
إلفــــــاً ولم تتشوَّقي خِلا ًّ ظــــعنْ
الماءُ تحتكِ سائحٌ، والظلُّ فوقــكِ
وارِفٌ والـــــــدارُ معمــــورٌ بِمِنّ
وصويحباتكِ سابحــاتٍ سائحـاتٍ
ساحبـــــــــاتٍ فَضلَ ذيلٍ، أوردنْ
وعلى يمينكِ صاحبٌ متـــــــوددٌ
وعلى شمالك خيـر خِلٍّ قد سكنْ
أما أنــــا فغـــــريب دارٍ ،بعـدما
قد كان لي فيها الأحبَّة، والوطنْ
ما إنْ تركتُ إقامتي فيها قِــــــلاً
أستغفــر الله العظيم، وهل ُيظَنْ؟
لكنها نفسٌ أبَتْ من عِـــــــــزِّها
أنْ تستـقـرَّ بهـــا بعيشٍ مُمتحنْ
فرضيتُ منها بالرحيـــــــل لأنّهُ
من لـم يُكـرِّم نفسَه كـرهاً، يُهـنْ.


4 /8/2014م

د.عبد الكريم الشويطر

موقع د.عبد الكريم الشويطر

تم تصميم الموقع لغرض الاحتفاظ والتوثيق لكافة أعمال د.عبدالكريم الشويطر

معلومات

صنعاء-إب

1971

راسلنا عبر:

mohammednajibalkainae@gmail.com

تاريخ التطوير

2025

جميع الحقوق محفوظة@