ثقافة الوصول

يدخل تحت هذا المصطلح كل ما نستطيع أن نحصره وما لا نستطيع من اختلالات وانحرافات في سلوكنا كشعب يمني أراد التحرر والإنعتاق من ظلمة الكهنوت المبدد والاستعمار البغيض، ويشملنا ذلك جميعًا: حكامًا ومحكومين، رؤساء ومرؤوسين. وهذه الثقافة الجديدة إنما قامت، بطبيعة الحال، على أنقاض إرثنا الحضاري والإنساني والديني، وحتى على أنقاض العرف القبلي المتوارث وضوابطه المعروفة أو التي كانت معروفة.

عناصر الموضوع:

المدنية والأخلاق: الاعترف بتلك العلاقة المتناقضة معروف، ولكن ليس على الإطلاق كما يحصل اليوم في بلادنا.

الفكر الليبرالي المستورد: والغريب على حياة اليمني الجماعية وروح المشاركة التي كانت تقوم عليها الحياة في اليف اليمني والحضر، وكذلك البراجماتية النفعية الضيقة المصدرة إلينا على عواهنها. ربما كانت المدخل الرئيسي لكل هذا الإحباط وعاملًا من عوامل تجذره.

الضربة في الصميم: التي أصابت ما نسميه اليوم بالتربية وما نسميه بالتعليم، وما أصاب ذلك من ضرر في صميم اللغة المتداولة من قلب وإبدال واستعمال مصطلحات أجنبية، وتسميم الأشياء بغير مسمياتها.

انغلاق الجيل المخضرم وانعزاله في المقايل: والشللية، وترك الشباب جيل الثورة والتغيير وجيل الوحدة لحياته الاجتماعية الشخصية للانغماس في ثقافة الاستهلاك والمتعة، والتخلي عن المسؤولية والاستسلام للإعلام الممنهج الذي يعمل على تخريب الأخلاق والقيم، والتسويق الذي يغري بالدخول في بحر من التنافس مع الأقران لامتلاك الأفضل بصورة جاهزة وبدون أي جهد محسوب.

تغير مفهوم النجاح لدى النشء: أو تحوله إلى مفهوم استرباح عصر بعينه أو حاكم بعينه، والبناء على ذلك نجاحات خاصة وبأي ثمن أو وسيلة.

تداخل مفهوم المسؤولية بين الشعب والسلطة: مما سبب الحيرة والارتباك في كلا الطرفين وعدم القدرة على تحديد من تقع عليه المسؤولية في كافة المجالات، والممارسات الخاطئة.

غياب النية الصادقة المعلنة والمصداقية والشفافية في كلا الطرفين: وما نتج عن ذلك من تزعزع في الثقة المتبادلة، واستفحال التفكير الذاتي، وانقراض الرموز الكبرى من الوجهاء والمصلحين والرواد وأبطال المواقف، وانحسار الثقافة ودور المفكرين واضطرارهم للسير على النهج العام والصراع من أجل البقاء، وشبه الإجماع على التخلي عن أهم عوامل النجاح، وهو التضحية.

كل هذا ما صعّب تبني أي جهة من هذه الجهات ومن السلطات الدعوة لعقد مؤتمرات وطنية جامعة تشمل كبار المختصين، وتتناول القضايا الوطنية الكبرى وتخرج بقرارات ملزمة تضمن نجاحها واستمرارها، كقضايا البيئة والسكان والتعليم، والحوادث المرورية، والبطالة، والزراعة والتنمية، والاستثمار، والمياه، وعلاقاتنا المفصلة مع الثقافات والاستراتيجيات الأخرى، وغير ذلك، بشكل توافقي تقره السلطة ويقتنع به المجتمع بكافة طوائفه وأحزابه وأيديولوجياته.

ما لم يتم ذلك فالمزيد من الشلل والمزيد من الصراع والتنافس والتنفذ، حتى يصل الجميع إلى حالة يصعب فيها الرجوع، مثلما يصعب الاستمرار.

ختاماً يجب أن يظل راسخًا في الأذهان أن النمو المالي مهما بلغ، يكون عرضة للإفلاس والإملاق ما بين ليلة وضحاها، ما لم يكن محصنًا ولو بالحد الأدنى من الأخلاق والضوابط والقيم، وتواصلها من جيل لآخر يأتي بعده. وإلا فمن يدري على أي أساس سترتكز ثقافة الأجيال القادمة؟!

والله من وراء القصد

د.عبد الكريم الشويطر

م 13-5-99

موقع د.عبد الكريم الشويطر

تم تصميم الموقع لغرض الاحتفاظ والتوثيق لكافة أعمال د.عبدالكريم الشويطر

معلومات

صنعاء-إب

1971

راسلنا عبر:

mohammednajibalkainae@gmail.com

تاريخ التطوير

2025

جميع الحقوق محفوظة@