مقدمة تعريفية :

تتأثر الفنون بجميع أشكالها، كما هو حال الأدب والفكر، بالتحولات الجديدة في العالم، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو فنية، مما يدل على حيوية الفنون واستجابتها لمعطيات الواقع، ويعكس في الوقت ذاته قوتها وقدرتها على المشاركة، وبرهانًا على حضورها ونجاعة إمكانياتها في التعاطي مع هذه التحولات، باعتبارها قوة ناعمة أكثر إقناعًا، لما تتميز به من خصائص ورسائل تخاطب الوجدان والأحاسيس، وتحفّز العقول على الإبداع والتفاعل الخلّاق.

الخط العربي – على وجه الخصوص – بوصفه ركيزةً من ركائز الفن الإسلامي، كان حاضرًا في حركة الفنون المعاصرة ومتفاعلًا معها، رغم ما قيل عن ثبات منظومته الفكرية. لكنه أثبت مجددًا قدرته على مخاطبة العالم، بما يمتلكه من قوة إيحاء ودهشة، وما صنعه من فضاء تجريبي معاصر، معتمدًا على جمال حروفه وخطوطه. وفي هذا السياق، قدّم البرهان على إمكانياته الهائلة في الحفاظ على أصالته، وتقديم مقترحاته الجمالية والبصرية. ومن خلال هذا الانفتاح، شقّ طريقه في العالم على يد الخطاط العربي والمسلم، مستبطِنًا العوالم الخفية للكون، وعلى تماسٍ مع الأحداث، مستفيدًا مما وفرته وسائل التكنولوجيا المعاصرة. وهكذا، أصبح الحرف لغةً هائلةً بالمفردات والصور والتراكيب والتشكيلات الحروفية، التي شكّلت في مجموعها خطابًا فنيًا معاصرًا، بهوية ثقافية وحضارية متفاعلة، وليست منغلقة على ذاتها، مقدِّمةً مقترحاتها الجمالية والبصرية بكل ثقة، مستمدّةً قوتها من روحية الأثر، والجوهر، والنقش، والنقطة، والكون، لترسم عالمًا مقروءًا ومبصَرًا يستحوذ على الأفهام، ويأسر العقول والقلوب.

إن إثراء الفنون الإسلامية، وتقديم مقترحات جمالية وفكرية لمجموعة من الآيات القرآنية التي تخاطب روحية الشرق، وتنفتح على أسئلة الغرب في حوار خلّاق، يفتح باب التساؤل حول الفنون والاتجاهات الفنية المعاصرة، في سياق علم الجمال والتذوق البصري، ضمن المناخات التي أفرزها تطور العالم في مجالات الكمبيوتر ووسائل الاتصال.

يتجلّى انفتاح الخط العربي التشكيلي على فضاءات التجريد والرمز، والتعبير من خلال التجريد، في جسد هائل من الخطوط والحروف والألوان والزخارف والمنحوتات والتراكيب، وانعكاسات الظلال والأضواء، التي تعكس تجليات الحياة، أو بالأحرى، تعكس روح “الجوهر” الكامن في الحرف، عند تخوم الحياة المادية. كأنه طيفٌ من الترميزات والصور التي تركز على القيمة الجمالية التصويرية، أو تركز على تناسقها البصري.

تقدّم مجموعة الفنان، الطبيب، الشاعر الدكتور عبدالكريم الشويطر بانوراما من سحر الأشكال، معتمدةً على معالجات تقنية وإحساس تجريدي لا يفقد بوصلة البحث عن الجمال الطبيعي الخفي. وهنا، يبرز “الحرف” كأنه معجزة الجمال السابح في الكون، وكأنه ذلك الإعجاز المبدع للغة، الذي عرف كيف يوجّه الإبداع، ويفتح مخيلة الخطاط والفنان التشكيلي على المغامرة، مستعينًا بمواد متنوعة وأشكال هندسية وزخرفية، ليعبّر عن مضامين روحية، وفكرية، وجمالية. وبهذا، يُحرّك الذائقة الفنية، ويرتقي بجماليات الفنون، من خلال رؤى متنوعة في توظيف الخطوط والأشكال، لتبدو وكأنها قطعة موسيقية ذات إيقاع بصري، يتأمل الموجودات، ويخاطب الانفعالات، في تناسق بصري وتصويري أخاذ ومدهش.

تتجلى طاقات الحرف في أعمال الدكتور عبدالكريم الشويطر، حيث تمنح المتلقي إحساسًا عارمًا بجاذبية وجمال المكون البصري في اللوحة. كما يظهر الحرف منحوتًا في بعض أعماله، مستعينًا بآيات قرآنية، ليقدّم عملًا فنيًا مبهِرًا ينسجم مع أسلوبه في الابتكار، الذي يجمع بين هوية الفنون العربية الإسلامية والمعاصرة. ففي لوحاته، تتشابك الحروف مع التشكيلات الهندسية واللونية المدهشة، ليؤسس مضمونًا جماليًا وتصويريًا، يتكامل مع تجربته الفنية في الاشتغال على السطح والحروف، لتشكيل بصري متفرّد.

إلى جانب إبداعه الفني، يبرز الدكتور عبدالكريم الشويطر في مجالي الشعر والأدب، حيث ألّف ديوانه الشعري “رحيل في أبعاد الأبجدية”، وروايته الموسومة “مهرجان الحروف العربية”، ليجمع بذلك بين كل مكوّنات الإبداع والتعبير الفني، متغزّلًا بالحرف العربي في تجربة فريدة لم يسبقه إليها أحد. كما يُبرز في لوحاته أهمية توزيع الألوان كأحد أهم مكوّنات العمل الفني، وهو ما انفرد بوصفه في قصيدته الإبداعية “قصيدة اللون”، حيث يعبّر بأسلوبه المتميز عن رؤيته الجمالية للألوان، ويستلهم منها مفردات إبداعية تتجلى في معظم أعماله الشعرية والتشكيلية.

في استخدامه لتوليفة من الحروف فوق أسطح هندسية دائرية أو مستطيلة، يعالج الدكتور عبدالكريم الشويطر مضمون “الجوهر” في الفن الإسلامي، عبر تناغم الشكل واللون والمضمون. فالدائرة، ذات البعد الرمزي والإيحائي، تعبّر عن الحرف كـ”مبتدأ”، بينما الفضاء مفتوحٌ على القراءة وإعادة القراءة، ليكشف عن المعاني المرئية واللامرئية، والدلالات والألوان والرموز. أما المستطيل، فهو يحمل في طياته ذاكرة وحدسًا وتوقعًا ومعرفة، وأسرارًا لا متناهية من طاقة الحرف، ورصانة اللغة، وجماليات اللون، ونغمية الموسيقى البصرية والكلامية.

موقع د.عبد الكريم الشويطر

تم تصميم الموقع لغرض الاحتفاظ والتوثيق لكافة أعمال د.عبدالكريم الشويطر

معلومات

صنعاء-إب

1971

راسلنا عبر:

mohammednajibalkainae@gmail.com

تاريخ التطوير

2025

جميع الحقوق محفوظة@