مقدمة:

حرصاً على استمرار التواصل بين الأجيال, وخصوصاً في جيلنا المخضرم وأجيال ما بعد الثورة والوحدة, ووجود فصام ما بين ثقافتنا المكتسبة – والتي لا تعدم الصلة بالموروث الثقاف العربي والتراث العربي عموماً – وخوفاً من رحيلنا كما رحل الجيل الذي قبلنا دون أن نجد الوقت الكاف للجلوس معهم واستيعاب ما يحفظونه من كنوز ثقافية, بسبب التحول الثقاف والاجتماعي الذي طرأ على المجتمع بكافة مجالات حياته, لذلك كله حاولت ترك أثر بسيط مما كنا نتعامل به من أساليب فنية وثقافية مكتسبة, ظلت تمثل جوهر مبادئنا وأسلوب حياتنا, والمبادئ التي نشأنا عليها, وذلك بحسب تذوق شخصي جداً, لعلهّ قد يفيد قراءنا من الأجيال الشابة القادمة, وبصور مختصرة, تكهنّاً بأنهم قد لا يملكون الوقت الكاف للاطلاع على المتون الكبيرة والمراجع الضخمة, ما عدا المتخصصين في مثل هذه المجالات.

وآمل أن تسُتخلص من هذا الذي سمحت به الذاكرة فائدة تفتح الشهية للمزيد من الاطلاع على كنوزنا الثقافية التي نعتز بها, والتي تميزنا وتشكل هويتنا العربية والإسلامية.

هذا, ولا أدعّي أن هذه المختارات البسيطة – والتي رأيت أن أرتبها أبجدياً حتى يسهل الاستذكار والمساجلة – لا أدعّي أنها تمثل أروع ما يراه كبار النقاد, وإنما هي ف الحقيقة أشهر ما سمعته متداولًا على الألسنة, وما يسُتشهد به كثيراً ف المقالات والصحف والمداولات الحوارية, أو بعبارة أخرى: ما سهل حفظه, وتركز معناه ودلالته. ومنها ما رأيت أنه يسُتحسن قراءته مع تتماته التي قد لا تتعدى البيت والبيتي, وأحياناً القصيدة كاملة أو ما يتعلق بها. كما ألحقت بها بعض مطالع القصائد الغنائية اليمنية, والتي أغلبها بالشعر الحميني أو الحكمي القريب من الفصحى, والذي – وبحسب رأيي – يمثل عنصر التفوق الشعري ف بلادنا, ف وقت كان يسيطر على الساحة العربية ما يسمى بـ”عصور الانحطاط,” وذلك قبل ظهور شعراء التجديد والحداثة والشعر الرومانسي بكافة أنواعه  وأساليبه وحيث إنه من المعروف أن من أسرار جمال النص الشعري هو التوفيق والإلهام

للشاعر ف اختيار البحر والروي المناسبي للموضوع, الأمر الذي يخدم النص ويجرّ ما بعده من تداعيات, تجد حسن التلقي وتسهلّ الحفظ على القارئ. فالبعض منها هي مطالع لقصائد مشهورة, ولا أظنها إلا معروفة للجميع.

كما إن هذا السرد الموجز قد يفيد أيضاً ف دراسة الذائقة الشعرية عند كل من الشاعر والمتلقي, ومعرفة صاحب الأسبقية من المعارضي له بعد ذلك. ولعل أشعار الحكمة وتجارب الحياة قد غلبت على معظم هذه الأشعار, إلا أن هناك أبياتاً اختيرت لجمال صياغتها, وابتداع المعنى, أو غرابتها, أو طرافتها, أو لشهرتها لسبب قد لا نعلمه.

إطلالة على النماذج المختارة:

بالنظرة العامة والسريعة على مواضيع الشعر ومعانيه التي اهتم بها الشعراء العرب قديماً وحديثاً حتى عصر النهضة, نجد الآتي:

.1 التركيز على المسائل الوجدانية والعواطف بشتى أنواعها, كالحب والعشق والغرام, والهجر والجفاء والوصال, والتماهي مع البيئة المحيطة.

.2 عدم الاستقرار العاطفي واقتصار الثقافة الجنسية على البعد الجسدي, خصوصاً لدى المرأة, وما نتج عن ذلك من جفاف المشاعر وتغلب صفة البداوة والذكورة المهيمنة, التي تعكس جفاف الطبع وفقدان الثقة وحالة التربص المستمر بالآخرين والحذر منهم.

.3 اتخاذ الشعر كحرفة وصناعة ووسيلة للتكسب, مع وجود تذمر مبطن لدى بعض الشعراء من ذلك.

.4 التنافس بي الشعراء – خصوصاً ف العصر العباسي الأول )عصر التدوين( – على استنباط الألفاظ الغريبة, وإظهار المهارة ف حبكها وصياغتها شعراً.

.5 قفزات التجديد ف العصور الإسلامية كانت قليلة وقد لا تدُرك, فبعد امرئ القيس نجدها عند أبي تمام وأبي نواس وبشار وغيرهم, وذلك لقلة الاستفادة من السابقي ومعارضتهم المستمرة.

.6 جعل الشعر وسيلة لتدوين الأفكار والثقافات, ليسهل حفظه بصورة سريعة وموجزة, وبقالب عروضي محببّ.

.7 تغيرّ دلالة الكلمة والعبارة والمصطلح عبر القرون, وذلك انعكاساً لثقافة المرحلة.

.8 قلة المفردات التي تعكس القضايا المهمة ف حياة الناس كما ف عصرنا الراهن, مثل: “الشعب, الحرية, الفكر, العقل, النهوض,” وانحصار المعنى ف جانب محدود, فمثلًا كلمة “حر” و”حرية” كانت تقُصد بها السيادة والشجاعة والكرم وغير ذلك.

.9 استهلال الشعر بتكريس القيم العربية والشمائل الحميدة, ومعظمها تحث على ضبط النفس, والتصبرّ, والحلِم, والتحذير من المجازفة والغلو.

.10 ندرة توظيف كلمات مثل “العقل” و”الفكر,” إلا في لغة أبي العلاء المعري, وانحصار المعنى على التريث وضبط النفس; أما الفكر والتفكير فكان يقُصد بهما الذات فقط.

.11 حالة الانطواء التي عاش بها الشعراء, وانعدام الثقة بالآخرين, والحث على ذلك ف نصوصهم.

.12 التأثير والتأثر قضية واضحة وتصل إلى حد الانتحال والسطو على إبداع وتراث البعض, خصوصاً من لم ترضَ عنهم السلطة ونكلّت بهم.

.13 الخلاصة: إن التقييم العام يحتاج إلى دراسة تفصيلية على يد مراكز البحث المتخصصة, مع الأخذ بالاعتبار فقه اللغة وتطورها وفلسفتها, والثقافة السائدة, والوضع السياسي والاجتماعي القائم.

والله ولي التوفيق..

د. عبد الكريم الشويطر

م2009 / 5 / 28

موقع د.عبد الكريم الشويطر

تم تصميم الموقع لغرض الاحتفاظ والتوثيق لكافة أعمال د.عبدالكريم الشويطر

معلومات

صنعاء-إب

1971

راسلنا عبر:

mohammednajibalkainae@gmail.com

تاريخ التطوير

2025

جميع الحقوق محفوظة@