نبذة عن الفنان :

الرحلة الفنية للدكتور عبدالكريم الشويطر: من التجربة إلى الإبداع الأصيل

يُعتبر الدكتور عبدالكريم الشويطر أحد الأسماء البارزة في الفنون التشكيلية والخط العربي، حيث امتزجت في مسيرته الخبرة الأكاديمية مع التجريب الفني المتواصل. مرّت تجربته بعدة مراحل محورية، بدأت بتأمل بسيط في الأبجدية وانتهت بابتكار أسلوب خطي خاص به، ليترك بصمته في عالم الحروفيات والفن التشكيلي.

البدايات: العلاقة بين الخط والفن

الطفولة والتجربة الأولى مع الحروف

بدأت رحلته مع الفن عندما كان طفلاً أُرسل لتعلّم الأبجدية العربية، لكنه لم يجد فيها جاذبية تثير اهتمامه، فبدأ بالرسم كوسيلة للتعبير عوضًا عن ذلك. هذه البداية الفطرية قادته إلى أولى خطواته في عالم الخط والرسم، حيث بدأ برسم أوراق العِثرب (نبتة تُستخدم في بعض المناطق للرسم على الأرضيات والجدران).

مع مرور الوقت، تعرّف على الخط العربي عبر المجلات المصرية، ما مكّنه من إتقان خط الرقعة والنسخ، وهكذا تحوّل اهتمامه من مجرد رسم الأشكال إلى تنظيم الحروف وتنسيقها. في تلك الفترة، بدأ بكتابة اللوحات السوقية، وهو ما كان شائعًا آنذاك لزخرفة المحال التجارية والمدارس.

التطور الفني: من الخط التقليدي إلى الحروفية الحديثة

التأثر بالقرآن والخط الديني

كان للقرآن الكريم دور بارز في تشكيل رؤيته الفنية. فقد كان يقرأ جزأين صباحًا وجزأين مساءً مع والده، ما جعل الآيات القرآنية جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية. وبالرغم من أن والده نصحه بعدم حفظ القرآن كاملًا بسبب المسؤولية الدينية التي تترتب عليه، إلا أن هذا لم يمنعه من استخدام الآيات في أعماله الفنية، حيث بدأ بكتابة العبارات القرآنية مثل “هذا من فضل ربي” في المدارس والأماكن العامة.

مع تطوّر تجربته، أدرك أن الكتابة الخطية ليست مجرد نقل حرفي للنصوص، بل يمكنها أن تكون تعبيرًا بصريًا غنيًا، وهو ما قاده إلى التعمّق في أساليب التشكيل الحروفي.

التحولات الفنية: من التقليدي إلى المعاصر

مع انشغاله بالدراسة والعمل في الطب والإدارة، ابتعد قليلًا عن الخط، لكنه عاد إليه لاحقًا بروح متجددة. ومعاصرته للحياة الحديثة أكسبته وعيًا جديدًا بأهمية التكنولوجيا في الفنون، فبدأ يستكشف الأدوات المعاصرة، مثل:
• الفرش الدقيقة جدًا
• السكاكين والملاعق المستخدمة في الرسم
• تقنيات الحفر على المرايا والزجاج

كل هذه الأدوات منحته إمكانيات جديدة لتطوير أعماله، لكنه كان دائم البحث عن هوية فنية مستقلة، وهو ما وجده أخيرًا في الحروفيات (الطغرائية).

التميز الفني: الحروفيات والطغرائية

فن الحروفيات: التلاعب بالحروف في التشكيل الفني

اتجه الدكتور عبدالكريم إلى الحروفيات، وهو نوع من الفن يجمع بين الخط العربي والتجريد التشكيلي، حيث تصبح الحروف عنصرًا بصريًا مستقلًا عن معناها اللغوي، وتُستخدم لتكوين لوحات ذات دلالات فنية وجمالية.

أبرز تقنياته في هذا المجال:
1. استخدام الحروف المتشابكة بشكل زخرفي.
2. إدخال عناصر تجريدية تجعل اللوحة أكثر تعبيرية.
3. الانتقال من الحروف الكلاسيكية إلى الحروف المبتكرة، حيث بدأ باختراع حروف ذات قواعد خاصة به، مما جعله يتميّز عن غيره من الخطاطين التقليديين.

التجريب في النحت والخط على المرايا

لم يكتفِ بالرسم، بل انتقل إلى النحت على المرايا باستخدام الحروف العربية. كانت هذه التجربة جزءًا من بحثه المستمر عن مواد وخامات جديدة يمكن أن تجعل أعماله أكثر حداثة وتأثيرًا.

الإرث الفني: التأسيس والتحكيم والمتحف الفني

بعد نضوج تجربته، لم يكتفِ بالممارسة الشخصية، بل أصبح عضوًا في لجنة التحكيم الفنية، حيث ساهم في تقييم الأعمال المشاركة في معارض الفن التشكيلي والخط العربي. كما شارك في إنشاء متحف للفنون في أب، مما أتاح له فرصة نشر فنه وإلهام أجيال جديدة من الفنانين.

ملامح التجربة الفنية للدكتور عبدالكريم الشويطر
1. الدمج بين الخط والتشكيل: لم يلتزم بالشكل التقليدي للخط العربي، بل جعله عنصرًا بصريًا ضمن لوحة متكاملة.
2. التطور المستمر: بدأ بخط السوقيات، ثم انتقل إلى الخط الديني، ثم الحروفيات، ثم التجريد الحروفي.
3. تأثره بالتكنولوجيا: استفاد من التقنيات الحديثة في تطوير أدواته.
4. الابتكار في الحروف: لم يقتصر على القواعد الكلاسيكية، بل ابتكر نمطًا خاصًا به.
5. المساهمة الثقافية: لم يكن فنانًا فقط، بل لعب دورًا في نشر الفن والخط العربي من خلال التحكيم والمتاح

الخاتمة: إرث فني مستمر

يُعد الدكتور عبدالكريم الشويطر نموذجًا للفنان الذي استطاع الجمع بين التراث والتحديث، وبين الفن التقليدي والتجريب المعاصر. رحلة بدأت من النفور من الأبجدية في الطفولة، لكنها انتهت بابتكار أسلوب خطي يضعه في مصاف المبدعين في الحروفيات العربية.